recent
أخبار ساخنة

كيف تصنع (إدارة الجودة الشاملة) نقلة في طريقة التفكير

المدرب
كيف تصنع (إدارة الجودة الشاملة) نقلة في طريقة التفكير
إن تطبيق مبادئ إدارة الجودة الشاملة (TQM) سيُحدث في المؤسسة أو الشركة نظرة مختلفة لكل النشاطات التي تقوم بها الإدارات والأقسام، ويجب أن يتم تدريب الكوادر على رؤية الأمور من منظور شامل وتكاملي وتطويري، وهناك مئات الأمثلة سنكتفي بواحد منها:
إن من القيم الحاكمة لإدارة الجودة الشاملة أن يتم السعي لتمكين الافراد وتحفيزهم بهدف تحويل كل فراد في الشركة إلى مطور للجودة،
والفلسفة وراء ذلك: أن كل موظف يعمل في قسم معين هو بالحقيقة عبارة عن مراقب يومي يقوم بمراقبة دقيقة للعمل ولمئات الساعات شهريا، ولو دربناه وحفزناه لكي يقوم بمراقبة كل خطوة من خطوات العمل بنية التطوير، فسيقدم مقترحات للشركة لتطوير العمل أفضل من أهم خبير تطوير، والسبب بسيط وهو أنه الوحيد الذي يملك كامل الوقت ليفكر ويدقق ويقترح الحلول في موضوع محدد ودقيق، وهو العمل الذي يجري أمامه في قسمه لمرات ومرات.
يروي لي أحد الأصدقاء والذي يعمل في مصنع كبير في كندا، أنه خلال العمل كمتدرب في هذا المصنع لاحظ أن الخطوات والمراحل التي يجري بها إصلاح قطعة ما، يمكن توفير الوقت لو تم تغيير الخطوات فقط، فبدل 1-2-3 تصبح 2-3-1 ، وآخر الدوام في ذلك اليوم ذهب لمكتب رئيس القسم وقال له عن هذه الملاحظة أو الفكرة التطويرية البسيطة، ولكن المدير لم يأخذ الموضوع بشكل عادي، بل سمعه بانتباه وتشجيع، وقال له: أرجو أن تكتب هذه الفكرة على ورقة وتوقع تحتها لتُسجل باسمك، ومضت الأيام ويرى صديقي أن مبلغ 200 دولار كان زائدا على راتبه الاعتيادي، وعندما سأل عن السبب، قال له المدير: لقد نقلت مقترحك للجنة خاصة بالتطوير والجودة، واكتشفوا أن اقتراحك سيوفر عشر دقائق وسطيا من زمن الإصلاح، فقررت اللجنة أن تعطيك مكافأة، وتضع هذا في ملفك كعمل مقدر ومحترم
قال لي صديق: تصور أنت الحماس الذي رجعت به للعمل في اليوم التالي، وكم الانتباه الذي أصبح عندي وأنا أعمل.
إدارة الجودة الشاملة هي في العمق إجراء تغيير شامل في القيم والأخلاق وطُرق العمل ليتحول كل فرد لمراقب جودة وإنسان مسؤول وموظف مقدر الرأي ومحفز ليكون أفضل في كل يوم، والنظام العام للشركة هو من يرعى ذلك ويوجهه عبر خطة مدروسة ومتدرجة،
وفي حالة تطبيق نظام (EFQM) أي المؤسسة الأوربية لإدارة الجودة فسيتحول ذلك كله إلى أرقام مقاسة، وبالتالي: نسبة تقديم المقترحات من الموظفين قياسا على عددهم، ونسبة المقترحات المفيدة والمطبقة من كامل المقترحات، ونسبة مكافأة الموظفين وتشجعيهم على تلك المقترحات، وتطوير تلك العملية بشكل عام وإدخالها في دوائر الجودة، كل ذلك سيتحول لأرقام تظهر في التقرير النهائي للجودة، ويتم مراقبتها سنة بعد أخرى لمعرفة مدى التقدم في هذا المجال.
الجودة قيم وأخلاق وتمكين ومشاركة، ولكن المهم أنها يجب أن تتحول لأرقام ونسب لأن كل ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته، والأهم أن كل ما لا يمكن قياس جودته لا يمكن تطوير أدائه
إدارة الجودة الشاملة وظاهرة النفاق
سأتكلم اليوم عن ظاهرة النفاق في الشركات والمجتمعات عموما، ولكن ليس فقط من وجهة نظر الدين الإسلامي أو الأديان الأخرى، فأظن أن آلاف الآيات والأحاديث ركزت ووضحت بشكل لافت للنظر مساوئ هذه الظاهرة، بل وجعلتها أسوء من الكفر ومن الزنا والربا .
قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا).
والنفاق برأيي لو أصبح ظاهرة يمكن أن يؤثر في النهاية على الشركات والمؤسسات والأرباح والخسائر، وحتى نفهم النفاق يجب أن نعرِّفه، فالنفاق لغة: هو من النَفَق، وهو الشيء المستور في الباطن
وفي التعاريف الاصطلاحية هو: القول باللسان أو الفعل، بخلاف ما في القلب من القول والاعتقاد.
ومن أهم مبادئ "إدارة الجودة الشاملة" أن تكون هناك قيم أساسية، وآليات تقيسها وتُشجع عليها، ومن أهمها الصدق والصراحة بين الموظفين، والسبب الأساسي الذي يدعونا لتمكين هذه القيم، أنه يستحيل اكتشاف الأخطاء والمصائب قبل حدوثها، لو لم يكن الموظفين شجعان لقول ما في قلوبهم من ملاحظات ومشاكل وأخطاء يقع بها المدراء والموظفين على حد سواء
(وباعتبار ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته)، لا توجد آلية أفضل من معرفة الهدر (مثلا) حين يحدث بشكل منتظم، لو لم يُصرح أحد الموظفين بهذه المشكلة، والأهم ألا يخاف من تبعات قوله للحقيقة وما يعتقده، ويكون بمأمن على عمله وحقوقه من مدرائه ومن زملائه في حين عارض هذا الكشف مصالحهم أو كشف فسادهم.
ودائما عندما نحدد المشكلة ونقيسها نستطيع وضع آليات لإصلاحها، وينطبق ذلك على المشاكل في قطاع المالية والموارد البشرية والعلاقات مع الشركاء وغيرها الكثير، فتجاهل هذه المشاكل سيؤدي لخسارة المال بهدر الوقت والجهد، وبخسارة الموظفين الأكفاء بسبب البيئة المعيقة والطاردة لهم، وبخسارة العلاقات مع العملاء بسبب الجودة الرديئة والمشاكل المتراكمة.
وبالتالي النفاق الذي يقوم به البعض للمسؤولين والنافذين بالمؤسسة من خلال الادعاء بأن كل شيء تمام، وأنه لا يوجد أي مشاكل، والكلام كذبا عن قوة المدير والمسؤول وحنكته وخبرته، وأنه لا يخطئ ولا ينطق عن الهوى، هو أمر مُدمِّر للعمل، وأيضا سكوت المدراء عن إهمال الموظفين وعدم كفاءتهم وانتاجيتهم لضمان ولاءهم وسكوتهم فهو مصيبة بنفس القدر، ومن باب أولى لن يؤدي النفاق لحصول أي جودة في الأداء.
نأتي الآن للمؤسسات وخصوصا في البلاد العربية فنرى أن ظاهرة النفاق منتشرة جدا، فترى الشخص يُظهر للناس من حوله الود والاحترام وهو بباطنه يلعنهم ويتمنى الشر لهم، والتي يرافقها دائما المكر والمكائد والحفر من الباطن لإيقاع الناس بالمصائب والفتن والخسائر.
يقول أحد القياديين العرب عن السبب الأساسي في فشل المؤسسات: أننا نستنزف 70% من جهودنا وطاقتنا وتركيزنا ليس في العمل والإنتاج وتطويره، بل في المكائد والمكر لبعضنا، والإضرار بمصالح منافسينا، وفي خوض سباق غير شريف نحو المكاسب والمناصب، وهذا سبب أساسي لفشل المؤسسات والشركات وحتى الأحزاب والدول.
ولم أجد وصفا لظاهرة النفاق أقوى من آية قرآنية وصفت المشكلة ونتائجها بشكل جميل وقوي
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ).
إن نتائج عدم قول ما لا نفعل وإظهار ما لا نبطن أن نكون منافقين، وهذا سيؤدي لاستمراء الكذب وجعله عادة دائمة، لأن الإنسان عندما يرسل لدماغه إشارة متكررة أنه من الطبيعي أن تُظهر للناس مشاعر أنت لا تحس بها بالداخل، فهذا سيؤدي لتضارب بالطاقة هائل بين قلبك وعقلك، والأخطر تعودك على هذا التضارب ليكون سلوكا دائمه ، والنفاق هو ظاهرة إنسانية والإنسان ضعيف بتكوينه، وقد يقوم بفعل النفاق لمرات قليلة في حياته بسبب ظرف معين يمر به، ولكن أن يجعل هذا النفاق هو طريقة في الحياة، فينافق مديره وزميله في العمل، وصديقه وزوجته، وأهله وجيرانه، ففي الداخل يحمل لهم الحقد والحسد والغيرة والغضب والكره والتذمر والرفض، ويكبت كل هذه المشاعر، ليُظهر مشاعر أخرى ترضيهم أو ترضيه بشكل مؤقت.7
وحجج ومبررات النفاق كثيرة عند الناس، منها قولهم: لا أريد أن أفقد مصالحي معهم، ولا أريد أن أجرح مشاعرهم، ولا أريد أن أتصادم مع أحد، وأنا حظي سيء ولم أحقق شيء كبير في حياتي لذلك نفسي ضعيفة فأحسد الناجحين وأغار من إنجازاتهم، والادعاء أن هذا المجتمع يحكمه النفاق والتملق والمدح الكاذب، ويجب أن أساير المجتمع حتى أعيش فيه وأستفيد من منافعه.
إن كل هذه الحجج المدفوعة بنوايا ودوافع قد تبدوا جيدة أو مفيدة مرحليا، ولكنها لن تغير شيئا من الواقع وهو أنك تقول ما لا تعتقده، وتقول ما لا تفعله في داخلك، وبالتالي سيصيبك المقت والغضب والمرض النفسي وحتى الجسدي كما أثبتت الدراسات العلميه.
وقد أشار سبحانه في الآية إلى نتيجة خطيرة للنفاق وهي أن سبب التنافر بين المجتمع وأنه لا يعمل ويقاتل كصف واحد (قاتل فعل لا يدل على القتل والمعارك فقط، بل هو أشمل بكثير ويعني أي تفاعل مع الناس بقصد التنافس والفوز بمكاسب) فالله سبحانه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا واحدا أي على قلب رجل واحد ويكره غير تلك الصفة
.
وحتى في حالة التنافس والتسابق المشروع لتحقيق مكسب معين، فيجب أن يكون السباق بشرف، والفوز يكون نتاج عمل حقيقي، وليس كسب السباق بالمكر والخداع للناس، والنفاق لمن بيده السلطة والمال، وهدف الاصطفاف والعمل معا على قلب رجل واحد وهو أرقى أشكال النجاح المؤسسي، أمر لن يحدث إلا بالصدق والصراحة والبُعد تماما عن النفاق وعن قول ما لا نفعل
.
وإن أسوء من ابتلوا بالنفاق هم فئة من الناس يعلنون أنهم المدافعون عن الأخلاق والقيم والنزاهة والتمسك بالدين والقيم السامية، وهم بالحقيقة يفعلون عكس ذلك في تعاملاتهم وفي مؤسساتهم ومشاريعهم، ويخفون ذلك بقنابل دخانية من جميل كلامهم، لذلك يكون المقت واضحا على وجوههم (مَقُت الشّخصُ إلى النَّاس: صار بغيضًا أي: مكروهًا عندهم)، ولذلك كان وصف المنافقين في القرآن غاية في البشاعة والتحذير منهم، قال تعالى: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾
.
إن أهم أسباب النجاح في المؤسسات والشركات هو العمل على قلب رجل واحد لهدف واحد محدد ومتفق عليه، لو وقع خطأ يتم المصارحة به، ولو وقع عتب يجب الجهر به، ولو كرهت فعل يقوم به شخص معين، فلا تستمر في التظاهر أمامه أن كل شيء بخير، فهذا نفاق، بل قل له لقد وقع كذا وكذا، وتفضل لنضع آلية عادلة لحل الموضوع، أو نفترق ويمشي كل شخص في طريقه لو لم نتفق، فالنفاق ليس حلا للمشاكل بل هو تخبئة لها وهروب من مواجهتها
.
ومن الناحية الأخرى أن تشعر باتجاه شخص بالحسد والغيرة فليس الحل أن تنافقه وتظهر له الود وفي الباطن تكيد له المكائد، بل الحل أن تقوي من إمكانياتك وتعمل وتبدع حتى تصبح مثله،
وهناك ملاحظة مهمة إن مقارنة نفسك مع الآخرين هو أمر غير صحيح ولا صحي، فلكل إنسان دور في الحياة ومواهب وإمكانيات وصل لها بعد معاناة معينة وظروف حياة لن تتكرر، ومقارنة نفسك بشخص له ظروف مختلفة هو أمر ظالم لك وله، فيجب أن تكون قانعا بما وصلت له ويكون عندك الطموح والصبر للعمل أكثر والوصول لمراتب أفضل
فالصحيح أن تتحدى نفسك فقط، وتقارن نفسك بماضيك لتعرف مستوى التقدم، ولكن لا ترتكب خطيئة أن تقارن نفسك بالناس فهذا أمر عبثي، مثل مقارنة دور العصفور بدور السمكة، فلكل مجاله وعمله وصفاته وابداعه
.
ومشكلة النفاق تبدأ من الطفولة، فترى الأب والأم يقولون للطفل كن مثل فلان، ولماذا لم تنجح مثل فلان، ولماذا أنت لست جميلة وذكية مثل فلانة، وقد لا يقولها الأهل صراحة، ولكن هناك مئات الأفعال والرسائل الباطنة من المجتمع ستُوصل للأطفال هذا الشعور، وهذا سيشعرهم بالنقص والغضب والغيرة، ليرافقهم هذا الشعور طوال حياتهم، وبسبب ضغط المجتمع وثقافة العيب المتطرفة، لن يستطيع أن يُصرِّح بهذا الغضب، فيكبته ويتحول لعقد نفسية وتفكير خاطئ وسلوك نفاقي متأصل فيه
.
إن القيم والأخلاق جزء لا يتجزأ من أنظمة إدارة الجودة الشاملة، ولا يمكن القفز على هذا الموضوع لمن أراد تحقيق نجاحات استراتيجية طويلة المدى، وتأسيس مؤسسات وشركات ومجتمعات تريد المنافسة وتحقيق الجودة وهذا ما أثبتته الدراسات العلمية والإدارية
وقد يحتاج منا نحن العرب بعض الوقت لنفهم هذه الحقيقة، وربما العائق الأول لنا حاليا أننا ندعي الأخلاق والقيم ليل نهار، وأننا مميزون بهذا الجانب بسبب ديننا وشريعتنا، بينما الحقيقة أن الفجوة كبيرة بين القول والفعل عندنا، وأول خطوة علينا هو أن نتوقف عن هذه الكذبة وهي أننا الأفضل أخلاقيا بين الأمم، ولعل هذا سيجعلنا واقعيين نرى الحسنات التي نملكها وهي كثيرة ونحدد السيئات التي وقعنا بها وهي كبيرة، والأهم نحدد المشاكل ونضع الخطط والميزانيات والآليات لحلها، وهذا وحده ما سيجعلنا ندخل سباق الجودة والتميز والانتاجية الذي دخلته كل أمم الأرض الشرقية والغربية.

***********************


***********************

google-playkhamsatmostaqltradent